على الرغم من مرور عام على الحرب العنيفة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إلا أن الاعتداءات ما زالت مستمرة على جميع الأراضي الفلسطينية، مما يجعل هذه المرحلة نقطة تحول جديدة في تاريخ الجرائم التي ارتكبها الاحتلال على مدى عقود، تمثل هذه الفترة أكثر الأوقات دموية بحق الفلسطينيين منذ ما قبل النكبة عام 1948.
تُعتبر قضية الأسرى واحدة من أبرز جوانب هذه الحرب الدموية، حيث سجلت المؤسسات المعنية بالأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان) العديد من الجرائم غير المسبوقة خلال فترة الحرب وعلى مر السنين.
وفقًا لتلك المؤسسات، بدأت سلطات الاحتلال في تشديد الخناق والانتقام من الأسرى الفلسطينيين داخل السجون منذ بداية الحرب على غزة، وبلغت هذه الإجراءات ذروتها بعد السابع من أكتوبر 2023، حيث بدأت عمليات قمع وتعذيب جماعي للأسرى.
في تقرير صادر اليوم بمناسبة مرور عام على الحرب، أشارت المؤسسات الفلسطينية المعنية بالأسرى إلى أن الاحتلال استغل تاريخ السابع من أكتوبر لتنفيذ مخططاته ضد الفلسطينيين وتعذيب الأسرى بشكل غير مسبوق، حيث مارس كافة أشكال الجرائم ضدهم.
كشف التقرير عن أن عدد الشهداء من الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، الذين تم التعرف على هوياتهم منذ بداية الحرب، بلغ 40 شهيدًا، من بينهم 14 من الضفة الغربية (بما في ذلك القدس المحتلة)، و2 من الأراضي المحتلة عام 1948، و24 من غزة، ليصل إجمالي عدد الشهداء منذ عام 1967 حتى اليوم إلى 277 شهيدًا.
واعترف الاحتلال الإسرائيلي بأنه اعتقل أكثر من 4500 مواطن من غزة، بينما أفرج عن المئات منهم. كما اعتقلت قوات الاحتلال المئات من عمال غزة في الضفة الغربية ومواطنين من القطاع كانوا في الضفة بهدف العلاج.
وأفادت المؤسسات المعنية بشؤون الأسرى بأن الاحتلال لا يزال يمارس جريمة الإخفاء القسري بحق معظم معتقلي غزة، حيث لا توجد معلومات دقيقة حول أعدادهم، بما في ذلك النساء والأطفال والشهداء الذين قضوا نتيجة التعذيب أو الإعدام.
وأشارت البيانات إلى أن عدد المعتقلين بعد السابع من أكتوبر 2023 حتى الآن تجاوز 11,100 حالة اعتقال في الضفة الغربية (بما في ذلك القدس المحتلة)، بينهم 740 طفلًا و420 امرأة، بما في ذلك النساء اللائي اعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1948. هذه الأرقام لا تشمل عدد النساء المعتقلات من غزة، حيث يُقدّر عددهن بالعشرات.
كما وثق التقرير اعتقال 108 صحفيين منذ بداية الحرب، بينهم 6 صحفيات و22 صحفيًا من غزة. وبلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري أكثر من 9000 أمر، بما في ذلك أوامر جديدة وتجديد لأوامر سابقة، بما في ذلك أوامر بحق أطفال ونساء.
قبل السابع من أكتوبر، كان عدد الأسرى في السجون الإسرائيلية يبلغ 5250 أسيرًا، بينهم 40 أسيرة و170 طفلًا، بينما بلغ عدد المعتقلين إداريًا نحو 1320 معتقلًا.
وبحسب الرصد التاريخي، شكلت جرائم التعذيب، التجويع، والاعتداءات الجنسية الأسباب الرئيسية لارتفاع معدل الشهداء بين الأسرى. شهادات الأسرى المفرج عنهم تكشف عن أساليب تعذيب منهجية، تتضمن عمليات إذلال مستمرة، مما يعكس مستوى مروع من الانتهاكات الإنسانية.
في نوفمبر 2023، مع بدء الاحتلال بالإفراج عن عمال احتجزوا في معسكرات الجيش، بدأ الأسرى المفرج عنهم في الكشف عن ظروفهم اللاإنسانية، حيث تعرضوا للاعتداءات المتكررة، وحرمان من العلاج، وتم إبقاؤهم معصوبي الأعين ومقيدين.
أشار التقرير إلى أن قضية المعتقلين الإداريين كانت من أبرز التحولات في هذه الفترة، حيث تجاوز عددهم 3398 معتقلًا حتى بداية أكتوبر 2024، مما يعد الرقم الأعلى تاريخيًا.
الاعتقال الإداري هو اعتقال بدون تهمة أو محاكمة، يعتمد على ملفات سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويمكن تجديده لمرات غير محدودة.
وفي إطار جهودها للدفاع عن حقوق الأسرى، طالبت المؤسسات الفلسطينية الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف بضرورة الضغط على الاحتلال لوقف انتهاكاته ومحاسبة قادته على جرائم الحرب.
ودعت إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة للتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الأسرى الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر، والضغط لوقف سياسة الاعتقال الإداري المتصاعدة.
كما جددت المؤسسات دعوتها للمنظومة الحقوقية الدولية لتجاوز حالة العجز أمام انتهاكات الاحتلال، واتخاذ خطوات ملموسة لمحاسبة دولة الاحتلال الإسرائيلي، استجابة للعدالة الإنسانية.