تواصل دار الإفتاء حملتها الإلكترونية التي أطلقتها لتوضيح الأحكام الشرعية المتعلقة بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف، تحت عنوان “قالوا وقلنا”؛ إذ خصصت الحادية عشر مساءً من كل يومٍ للرد على أهم الأسئلة والشبهات الواردة بهذا الشأن.
وبدأت “الإفتاء” حملتها الإلكترونية بتدوينة عبر صفحتها الرسمية على (فيسبوك) أكدت خلالها أن جماعة من السلف وجمهور الأمة كتبوا في استحباب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عددًا من المؤلفات، مبينين الأدلة الصحيحة على ذلك.
وشددت على “أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف شاهدٌ على الحب والتعظيم لجناب سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والفرح به، وشكرٌ لله تعالى على هذه النعمة. وهو أمرٌ مستحبٌّ مشروعٌ، ودرج عليه المسلمون عبر العصور، واتفق علماء الأمة على استحسانه.
” هل احتفل النبي بمولده؟ أكدت “الإفتاء” احتفال النبي بيوم مولده، من خلال صومه، لافتة إلى أن الاحتفال بهذه المناسبة أمر ثابت بالسنة النبوية.
وذكرت مؤكدة :”هذا ثابت بالسُّنة؛ فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه أنه سُئِل عن صوم يوم الإثنين، فقال: «ذاكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه» أخرجه مسلم، ففضَّل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بيان علة الصوم على بيان حكمه الشرعي؛ للإشعار بفضل صوم يوم مولده العظيم.
” وبينت أن عدم وجود نص مجمع عليه لتاريخ الكثير من الوقائع الشرعية كأسباب وتاريخ نزول بعض الآيات والسور وبعض الغزوات، لا يُعتبر دليلا على عدم تذكرها والشكر عليها، ولذلك قال الفقهاء الترك لا يعني الحرمة. كما أكدت الدار أن الاحتفال بالمولد النبوي لا يقع ضمن حكم الابتداع، موضحة أن الأخير هو إحداث أمر في الدين على غير مثال سابق ويقصد به العبادة، لكن الاحتفال مشروع بالأدلة من القرآن والسنة فلا بدعة فيه.
كيف احتفل النبي بذكرى مولده؟ وفي تدوينة أخرى من الحملة نفسها أوضحت الإفتاء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتفل بذكرى مولده الشريف بالصيام؛ فقد سُئِل عن صوم يوم الإثنين، فقال: «ذاكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه».
وأضافت: “يقصد بالاحتفال بالمولد النبوي تجميع الناس على الذكر، فضلًا عن الإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام؛ إعلانًا لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدنيا”.
واستدلت على ما ذُكر بما ورد عن بُرَيدة الأسلمي رضي الله عنه قال: خرج رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه، فلمَّا انصرف جاءت جاريةٌ سوداء فقالت: يا رسول الله، إنِّي كنت نذَرتُ إن رَدَّكَ اللهُ سَالِمًا أَن أَضرِبَ بينَ يَدَيكَ بالدُّفِّ وأَتَغَنَّى، فقالَ لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إن كُنتِ نَذَرتِ فاضرِبِي، وإلَّا فلا» رواه الترمذي. فإذا جاز ضرب الدُّفِّ فرحًا بقدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم سالِمًا، فجواز الاحتفال بقدومه صلى الله عليه وآله وسلم للدنيا أولى. كم مرة احتفل النبي بمولده؟ كما أشارت دار الإفتاء إلى أن النبي كان مستمرًا في الاحتفال بذكرى مولده الشريف، فذكرت في إحدى تدويناتها: “ما ورد من أخبار أنه صلى الله عليه وآله وسلم احتفل بذكرى يوم مولده الشريف بصيام يوم الإثنين، وهذا في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم؛ وكان صلى الله عليه وآله وسلم يواظب على صيامه”.
وأكملت: “يُفهم من ذلك أنه كان مستمرًّا في الاحتفال بتلك الذكرى العطرة، فمن أراد أن يحيي هذه الذكرى يوم الاثنين من كل أسبوع على مدار العام فلا حرج عليه، ومن أراد أن يقتصر على صيام يوم مولده فقط من كل عام فلا حرج عليه؛ فالأمر في ذلك واسع.” هل الاحتفال بالمولد عبادة وطاعة تُقرِّب إلى الله؟ وفي سياق حملتها الإلكترونية أكدت الدار أن الاحتفال بالمولد النبوي عبادة وطاعة تقرِّب إلى الله تعالى؛ فمعنى الاحتفال هو: إظهار الفرح والسرور، ومعنى العبادة هو: أداء الأقوال أو الأفعال التي يُقصد بها القربة لله تعالى؛ سواء كان ذلك بالفرائض؛ مثل الصلاة والصيام والزكاة، أو النوافل مثل الصدقات وذِكر الله وجميع أوجه البر. وقالت: “الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف هو إظهار الفرح بنعمة الله المتمثلة في بعثة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين؛ وقد قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: 58].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “فضلُ الله: العلمُ، ورحمتُه: مُحَمَّد صلى الله عليه وآله وسلم”. هل تقرَّب الرسول وأصحابه الكرام بالاحتفال بالمولد النبوي وأمر بذلك؟ شددت الدار على أن النبي تقرب إلى الله تعالى بشكره على إرساله للناس هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وذلك في يوم مولده الشريف؛ فقد سُئِل عن صوم يوم الاثنين، فقال: «ذاكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه».
وذكرت في تدوينتها: “إذا كان صيام يوم مولده بسبب شكر الله على نعمة إرساله رحمةً للعالمين، فقد ثبت أنه أمر الصحابة بذلك حين أمرهم بصيام يوم عاشوراء؛ شكرًا لله على نجاة موسى عليه السلام من فرعون، أفلا يكون صيام يوم مولده شكرًا لله أولى من ذلك!”.
هل نحن أشدُّ حبًّا للنبي من الصحابة حتى نحتفل بالمولد مع أنهم لم يحتفلوا به؟ ردًا على هذه الشبهة قالت دار الإفتاء: “إن محبة النبي فرض ولا يكمل إيمان العبد إلا بها، ولا يستطيع أحد أن يزايد على غيره في محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتلك المحبة شعور قلبي يترجم عنه السلوك، وهذا السلوك يختلف من شخص لآخر، وَلِكُلٍّ التعبير عن ذلك بما يوافق الشرع الشريف؛ ومن سلوك المحبين تذكُّر المحبوب في ذاته، فإذا كان المحبوب هو النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، كان تذكُّرُه عبادةً يؤجر المرء عليها”.
وتابعت: “لقد شرع لنا صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنس تذكر النبي والفرح به؛ ففي الحديث الذي أخرجه الطبراني أنه خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَلْقَةٍ وَهُمْ جُلُوسٌ فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَنُمَجِّدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِكَ، قَالَ: «اللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ؟» قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَلِكَ، قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ»”.
واسترسلت: “احتفالنا بذكرى المولد النبوي الشريف مظهر من مظاهر محبته في القلوب وهو أمر مشروع ما دام موافقًا للأصول المستقرة، والمبادئ العامة للشريعة الغراء، ومع افتراض أن الصحابة لم يفعلوه فإن ذلك ليس دليلًا على الترك بالكلية، ولو قلنا بذلك لانسدَّت مصالح كثيرة على المسلمين، وما دامت الأدلة من القرآن والسنة قد قامت على جواز الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، فما الداعي إلى غضِّ الطرف عن ذلك والتعلق بغيره؟!”