تُحتفل اليوم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعيد النيروز، المعروف أيضا بـ “عيد الشهداء”، والذي يُعتبر انطلاقة السنة القبطية الجديدة. تتواصل الصلوات في الكنائس طوال الليل حتى فجر اليوم التالي، لتكتمل بالقداس الإلهي.
وصلى قداسة البابا تواضروس الثاني، صباح اليوم، الأربعاء، قداس أول أيام السنة القبطية الجديدة (1741 للشهداء) في كنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بالمقر البابوي بالإسكندرية.
شارك في صلوات القداس الآباء الأساقفة العموم المشرفون على القطاعات الرعوية بالإسكندرية، والقمص أبرآم إميل وكيل عام البطريركية بالإسكندرية، والراهب القس كيرلس الأنبا بيشوي مدير مكتب قداسة البابا.
ارتبط مفهوم “النيروز” بعدة تعريفات تاريخية ودينية؛ فتاريخيًا يُرجع بعض المؤرخين ارتباط اسمه باللغة القبطية القديمة إذ ترادف هذه الكلمة فيها معنى “الأنهار”، ويطلق هذا العيد على الفترة التي كانت تشهد فيها مصر فيضانات النيل، مما جعلها موسمًا للخير والبركة وخصوبة الأرض.
ويوضح المهندس ماجد الراهب، رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للحفاظ على التراث المصري، أن “توت” هو الشهر الأول في التقويم المصري نسبة إلى الإله “تحوت” إله الحكمة والعلوم والفنون والاختراعات ومخترع الكتابة ومقسم الزمن، ويُصور بشكل رجل رأسه رأس طائر.
ويضيف لـ”الشروق”: “كان يُحتفل باليوم الأول من شهر توت ويستمر الاحتفال به أسبوعًا، إلى أن جاء “الظاهر بيبرس” الذي منع الاحتفال به عام 1100، لكن الأقباط أعادوا إحياءه في مصر.”
ويشير خبير الآثار المصري إلى أن العيد يسمى بـ”النيروز” وهي كلمة مشتقة من الكلمة القبطية “ني-ياروؤو” ومعناها “الأنهار”، لافتًا إلى أنه يوافق احتفال الأقباط بعيد الشهداء، الذي يتميز بأكل البلح الأحمر فيه تذكيرًا بدماء الشهداء. ومن الناحية الدينية؛ ارتبط التقويم القبطي بالشهداء وعُرف عيد النيروز بـ”عيد الشهداء” أو “عيد الاستشهاد” تأصيلًا على ما عاناه المسيحيون في عهد الإمبراطور دقلديانوس الذي اعتلى العرش عام 284، إذ مارس ضدهم الاضطهاد والظلم، فأصبح التاريخ القبطي ابتداءً من هذا الوقت يُسمي تاريخ الشهداء الأطهار.
وتشير بعض المؤلفات التاريخية إلى حرص دقلديانوس معظم أعوام حكمه على اتباع سياسة تسامح ديني مع المسيحيين، ثم تحولت سياسته ضد المسيحيين في أواخر حكمه، لإصدار أربعة مراسيم فيما بين عامي (302ـ 305) تحث على اضطهادهم وبتحريض من شريكه مكسيميانوس.
وتضمنت تلك المراسيم حرق الأناجيل والكتب الدينية، ومنع المسيحيين من التجمع، وهدم الكنائس، وقتل أكثر من ألف مسيحي، وتحريم القيام بأي صلوات أو طقوس دينية، ومصادرة أملاك الكنيسة، حتى انتهى هذا العصر على يد الملك قسطنطين.
وأشار البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في حديث سابق إلى ارتباط هذا العيد بالتاريخ في سنة 284م حيث زمن الطاغية دقلديانوس أحد أباطرة الرومان، قائلًا: “في هذا الوقت بدأ عصر الاضطهاد الشديد، وهكذا أخذ الأقباط الأوائل جعلوها بداية التقويم الخاص بهم.”
وأوضح أن عيد النيروز من أقدم الأعياد، ويُفتتح به العام القبطي، مؤكدًا أن السنة القبطية سنة حسابية، كل شهر فيها 30 يومًا، لا أكثر ولا أقل في بعض الأشهر، ويُضاف إلى السنة الشهر رقم 13، إذ يُسمى بـ”الشهر الصغير” أو “أيام النسيان”، لافتًا إلى أن أحداث الكنيسة تعتمد على التقويم القبطي.
وتحتفل الكنيسة بعيد النيروز عبر إقامة الطقس الفرايحي، في ظل إقامة القداسات التي يترأسها المطارنة والأساقفة والكهنة، إضافة إلى مهرجانات العيد التي تتضمن الكثير من الأنشطة لأبناء الكنيسة.
ويعتبر المظهر الأبرز في احتفالات العيد هو انتشار فاكهتي البلح الأحمر والجوافة؛ إذ يشير اللون الأحمر للبلح إلى ما بذله الشهداء من دماء في سبيل إيمانهم، وقلب الثمرة الأبيض يشابه نقاء قلوبهم، أما نواتها الصلبة فهي تدل على قوة قلوب المؤمنين؛ ويرجع اختيار ثمار البلح تحديدًا لما في طبيعة النخيل من رمزية لمقابلة الإساءة بالإحسان. أما الجوافة فتمثل القلب الأبيض للشهداء، وبذورها الكثيرة ترمز لعدد من استشهدوا وتحملوا الآلام دفاعًا عن إيمانهم.